الناس باتت تتحسر على أيامه التي ذهبت حين كان مكانا مفضلا للسباحة واصطياد سمك الشابل
القنيطرة (المغرب): طلحة جبريل
تلال من القمامة تتكدس عند المخرج الشمالي لمدينة القنيطرة في منطقة المعمورة، إلى حد أنها تغطي أحياناً الطريق الإسفلت. ضفة نهر «سبو» تحولت إلى مرتع قاذورات.. ذباب وحشرات وهوام وروائح كريهة. لون النهر الذي يعد ثاني أكبر انهار المغرب أصبح أقرب إلى اللون الأسود. المنطقة تعد حالياً واحدة من أهم «النقط السوداء» في التلوث البيئي بالمغرب.
في الماضي كانت القنيطرة (35 كيلومتراً شمال الرباط) تسمى «مدينة المناضلين والاميركان». «مدينة المناضلين» نظراً لوجود اكبر سجون المغرب في المدينة، وهو السجن الذي مر منه عدد كبير من المعتقلين السياسيين. و«مدينة الاميركان» حيث كانت توجد بها أكبر قاعدة اميركية ظلت هناك حتى منتصف السبعينات. الاميركيون مروا من هنا وتركوا ذكريات كثيرة وتلك حكاية أخرى.
كانت القنيطرة من أنظف المدن المغربية فأصبحت من أقذرها. الآن أضحت المدينة الملوثة. القنيطرة مدينة هجينة، تختلط فيها البادية بالمدينة. مطعم «ماكدونالدز» يجاوره محل لبيع الجرارات الفلاحية. مقهى بقي فيه الكثير من «الديكور الاميركي» يجاوره دكان يبيع البيض واللبن. متجر لبيع الأدوات الإلكترونية يجاوره دكان يبيع علف الماشية.
كان نهر «سبو» يضيف رونقاً للمدينة التي يسميها المغاربة «عاصمة الغرب» أي غرب المغرب. وكان عشاق ومشجعو فريق كرة القدم في المدينة «النادي القنيطري» يطلقون عليه «مارد سبو» نسبة إلى النهر. الآن لم يعد «النادي القنيطري» مارداً بعد أن تواضعت نتائجه، ولم يعد «سبو» نهراً بعد أن تكدست على ضفتيه القمامة وطفح مجراه بالأوساخ.
يصب نهر «سبو» في المحيط الأطلسي وكان في الماضي يحمل للمدينة عدة أصناف من الأسماك منها سمك «الشابل» الذي انقرض بعد أن تلوث النهر. لم يعد سكان المدينة يخرجون للنزهة في نهر «سبو» ولم تعد تلك القوارب الصغيرة تجوب النهر تحمل العشاق في أماسي الصعلكة الجميلة بغرض النزهة. التلوث والقاذورات وأكوام القمامة لم تترك مجالاً لهذا الترف.
يقول طبيب بيطري يعمل في المنطقة «مشكلة القمامة التي ترمى قرب ضفة النهر لا يقتصر ضررها على التلوث فقط بل أدت إلى توالد جراثيم وأنواع من البكتيريا الضارة منها بكتيريا تسبب مرضا يمكن أن يؤدي إلى هلاك سريع للدجاج يعرف باسم «زكام الدجاج»، لذلك فإن الكثير من مزارع الدواجن في المنطقة باتت في خطر إذ أن «زكام الدجاج» يمكن أن يؤدي إلى هلاك الدجاج خلال ساعات فقط.
توجد منابع نهر «سبو» في منطقة الأطلس المتوسط وهو يمر في طريقه نحو مصبه في المحيط الأطلسي عند مدينة القنيطرة عبر مدينتي فاس ومكناس.
أهل فاس يتذكرون الأيام الجميلة للنهر عندما كان يذهب إليه الصبية للسباحة واصطياد السمك بالصنارة. بل هناك من يتذكر التماسيح وهي تسبح في النهر حتى عشرينات القرن الماضي. الآن ذهبت أيام النهر.
أصبحت تصب في مجراه في فاس «أنهر» من القاذورات ونفايات المصانع ومدابغ الجلود. وأضحى السكان الذين يقطنون قربه عرضة للأمراض الجلدية ولأمراض الحساسية.
ونظراً لتفاقم مشكلة النهر فان وزارة البيئة في الحكومة المغربية وضعت عام 1999 خطة لتخفيف حدة تلوث النهر. يقول مسؤول في الوزارة «عندما شرعنا في وضع الخطة بينت الدراسات إن التلوث لا يقتصر على النفايات الصناعية بل يشمل التلوث الزراعي ذلك أن بعض الأسمدة ونظراً لطبيعة الأرض في منطقة الغرب الزراعية تتسرب بعض مكوناتها إلى حوض النهر فيزداد تلوثاً خاصة في منطقة المناصرة المجاورة للقنيطرة.
هكذا أصبح ثالوث مدمر يحيط بنهر كان من أجمل أنهار المغرب: تلوث صناعي. تلوث زراعي، ثم أكوام قمامة تقاعست المجالس البلدية عن جمعها بل جعلتها تتكدس على قارعة الطريق قرب ضفتي النهر.
