سورة الرعد ومنهج النظر العقلي
ترتب سورة الرعد في المصحف الشريف في الرتبة 13 ويضم النص الإلهي 44 آية أو 43 على خلاف في تصنيفها ومقدار آياتها بين التفاسير كالظلال والجلالين وتفسير ابن كثير كما يؤكد ذلك ابن الجوزي "اختلفوا في نزولها على قولين"... ويمكن مفصلتها إلى خمسة مفاصل: 1- التنزيل والتلقي المخيب. 2- الإحالة على الكتاب المنظور: أ- آيات الآفاق. ب- آيات النفس. ج- آيات التكوين. د- آيات قرآنية. 3- وعيد بالنار. 4- وعد بالجنة. 5- قدرة الله على الحكم ونفاذه بعد إرسال الكتب واصطفاء الرسل.
هذا وقد أحصى الدكتور زغلول النجار مجموع الآيات الكونية بما قدره 1200 آية بينما الدكتور النابلسي حصرها في 1000 آية في مجمل القرآن الكريم، بينما عددها في سورة الرعد العظيمة تجاوز 17 آية كونية في 7 آيات قرآنية أبرزها رفع السماء بدون أعمدة وتسخير الشمس والقمر وبعث مظاهر الحياة في الأرض وتعاقب الليل والنهار..
ويأتي هذا الاستعراض البديع في معرض الخلق الإلهي لهذه الآيات الكونية ليقدم الدليل على تفرد الله بالألوهية وعلى التصميم في هندسة الكون وتدبير شؤونه وفق قوانين ثابتة وخارقة، كقانون الدوران والجاذبية والزوجية... وهي آيات تشكل دليلا ماديا ملموسا على منهج النظر العقلي الذي دعا إليه القرآن الكريم على أسس التدبر والشمولية والإحالة على الواقع الملموس والموضوعية العلمية والربط المنطقي بين الخالق والمخلوق والعلة والمعلول في مسعى يروم نشدان مثلث التمامية: الكمال والجمال والدقة، أو من خلال تنشيط وظائف العقل ومهام القلب مركز العقيدة ومشترك الوجدان الجماعي الذي يقود إلى تلقي آيات النفس السبع الواردة في سورة الرعد العظيمة، وهي الفطرة على التغير، والميل إلى اجتراح السوء، والركون إلى الطمأنينة، واكتساب الخير والشر، والجنوح إلى الفرح والحزن، والولع بالهوى..
وهي آيات نفسية تؤكد على مسؤولية الإنسان الفردية فيما يؤمن ويعتقد وعلى تبعته فيما يأتي من أفعال وأقوال في أفق تحقق تكامل الأدلة العقلية بالأدلة النصية النقلية في معرض الآيات القرآنية المحكمة التي تستوجب الإيمان والعمل بها والآيات المتشابهة التي تفرض الإيمان بها، كالحروف المنثورة في فاتحة سورة الرعد المباركة والتي تحيل على آيات تكوينية ربانية تنتج معاني السورة العظيمة وتلحم هيكل مقاصدها السامية من خلال تعميل فعل الألوهية المتفرد والصفات المجدية والإرادة والقدرة على التصميم والخلق وإحكام الرقابة المتناهية لما يحدث في ملكوت الله.
إن موضوع القيمة في سورة الرعد العظيمة هو تقديم حقائق باهرة حول الصنعة الإلهية ودلائل القدرة الربانية في عدة آيات كونية أبرزها آية الرعد، ذلك الصوت المدوي الناتج عن تمدد الهواء وتمزق أنسجته حيث تتجاوز سرعته 330 مترا في الثانية والذي يعتبر حلقة في سلسلة انعكاسات متكونة داخل قواعد السحب من أهم تجلياتها آية البرق الناجم عن التسخين الكبير والذي تفوق سرعته 300000 كلم في الثانية، وتربو حرارته على 30 ألف درجة مئوية، وتصل ومضاته إلى 40 ومضة في الدقيقة تفضي إلى التفريغ الكهربائي الناجم عن عزل الهواء بفعل قوة الدفع للشحنة السالبة العليا عن الشحنة الموجبة السفلى.
وحتى تستكمل لوحة الإعجاز برع القرآن الكريم في مواضع عديدة في التصوير النفسي للآثار المترتبة عن جلجلة الرعد ووميض البرق بما يفيد الخوف من جبروت المولى ومن خطف الأبصار وبسط سلطانه في ملكوته وما تقتضيه نعمة الغيوم المثقلة بالمطر من الحمد والتسبيح والإقرار بعظمة الله سبحانه وتعالى التي تحيل على أصل الماء ومراحل تكوينه باعتباره عنصر الحياة على الكوكب الأرضي.
ولاستكمال مشهد العرض الإلهي للكون وقوانينه ومؤثثاته يقدم النص القرآني ببلاغة قرآنية نادرة قانوني الدوران والجاذبية المتحكمين في تدبير نظام سير الكواكب في أفلاكها وسباحة النجوم مصابيح سماء الدنيا.
إذ تفيد الدراسات العلمية أن كوننا يتوفر على 100 ألف مجرة مناظرة لمجرة درب التبانة، وعلى 400 ألف مليون نجم في حجم الشمس لها توابعها. ومجرة درب التبانة لوحدها تتوفر على 100 مليار نجم تجري وبقية الكواكب لمستقر لها، أي لنهاية ستؤول إليها.
فأقرب نجم لكوكبنا يبعد مسافة 9 ملايين سنة ضوئية، وهي وحدة القياس المعتمدة في قياس المسافات بين الكواكب. أما أبعد نجم فتزيد مسافته على 6 آلاف مليون سنة ضوئية، بينما الشمس الكوكب المشتعل والسراج الوهاج هي أكبر الكواكب في مجرتنا ومصدر الضوء والدفء ومؤمن الحياة واستمرارها فيبعد عن الأرض مسافة 150 مليون سنة ضوئية حسب الدكتور زغلول النجار. أما القمر الكوكب المنير ومصباح السماء الدنيا المتحكم في دورة الماء في كوكبنا الأرضي وسوائل جسم الإنسان خزان طاقة الهليوم وعنصر الحياة فهو أقرب الكواكب إلينا والكوكب الوحيد الذي نراه مباشرة.
هذا وللنجوم دورة حياتية من ثلاث مراحل:
1- المرحلة الدخانية: حيث يتم التكوين.
2- المرحلة الغازية: حيث يكتمل الاندماج.
3- المرحلة الانكدارية: حيث تتكدس المادة ويتم الانتقال للحالة النيترونية..
إن عالم النجوم عالم سحري وعجيب أهم ما يميزه "المواقع" حيث لانرى إلا آثارا من صورها نظرا لبعدها، وكذا "الطارقية" حيث يطرق النجم صمت السماء الدنيا ويثقبه بنبضاته التي تشبه ضربات القلب ليساهم في استمرار بقاء الكواكب الأخرى من خلال تأمين الكواكب من الابتلاع وضمان مسك سقف السماء من دون أعمدة.
ينضاف إلى آية الرعد والبرق التي تعرض لسلسلة من الثنائيات الضدية التي تدل على قدرة الخالق على التصميم والإبداع والتدبير وعلى قوة الكبير المتعالي جبار السموات والأرض، وتدل في نفس الآن على سماحة البر الرحيم بعباده.
إن سورة الرعد العظيمة نص قرآني يجمع بين المعجزة الكلامية الخارقة لكل أصناف الكلام البديع والبليغ وإعجاز قرآني يسجل سبقا علميا يؤسس لتصالح بين الحقيقة الدينية والحقيقة العلمية مبني على تعاقد الإقرار والتصديق لتبلغ للناس كافة رسالة واضحة مفادها أن الحق راسخ والباطل زائل وإن خدع الأعين والحواس وفشا وعلا فوق الأرض إلى حين. وأن الحق قوي مصدره الكتاب المسطور/ القرآن والكتاب المنظور/ الكون.
