هناك آداب ينبغي لنا مراعاتها ، ويجدر بنا سلوكها مع الوالدين ، لعلنا نرد لهما بعض الدين ، ونقوم ببعض ما أوجب الله علينا نحوهما ، كي نرضي ربنا ، وتنشرح صدورنا ، وتطيب حياتنا ، وتيسر أمورنا ، ويبارك الله في أعمارنا ، وينسأ لنا في آثارنا . فمن تلك الآداب ما يلي
.
1 - طاعتهما واجتناب معصيتهما : فيجب على المسلم طاعة والديه واجتناب معصيتهما ، وأن يقدم طاعتهما على طاعة كل أحد من البشر ما لم يأمرا بمعصية الله ورسوله ، صلى الله عليه وسلم ، إلا الزوجة ؛ فإنها تقدم طاعة زوجها على طاعة والديها .
2 - الإحسان إليهما : بالقول والفعل ، وفي وجوه الإحسان كافة .
3 - خفض الجناح : وذلك بالتذلل لهما والتواضع والتطامن .
4 - البعد عن زجرهما : وذلك بلين الخطاب والتلطف بالكلام ، والحذر كل الحذر من نهرهما ورفع الصوت عليهما .
5 - الإصغاء إليهما : وذلك بالإقبال عليهما بالوجه إذا تحدثا ، وترك مقاطعتهما أو منازعتهما الحديث ، والحذر كل الحذر من تكذيبهما أو رد حديثهما .
6 - الفرح بأوامرهما وترك التضجر والتأفف منهما : كما قال - عز وجل - :
فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا 7 - التطلق لهما : وذلك بمقابلتهما بالبشر والترحاب ، بعيدا عن العبوس وتقطيب الجبين .
8 - التودد لهما والتحبب إليهما : ومن ذلك مبادأتهما بالسلام ، وتقبيل أيديهما ورءوسهما ، والتوسيع لهما في المجلس ، وألا يمد يده إلى الطعام قبلهما ، وأن يمشي خلفهما في النهار وأمامها في الليل ، خصوصا إذا كان الطريق مظلما أو وعرا ، أما إذا كان الطريق واضحا سالكا فلا بأس أن يمشي خلفهما .
9 - الجلوس أمامهما بأدب واحترام : وذلك بتعديل الجلسة ، والبعد عما يشعرهما بإهانتهما من قريب أو بعيد ، كمد الرجل أو القهقهة بحضرتهما ، أو الاضطجاع أو التعري ، أو مزاولة المنكرات أمامهما ، أو غير ذلك مما ينافي كمال الأدب معهما .
10 - تجنب المنة في الخدمة أو العطية : فالمنة تهدم الصنيعة ، وهي من مساوئ الأخلاق ، ويزداد قبحها إذا كانت في حق الوالدين . فعلى الولد أن يقدم لوالديه ما يستطيع ، وأن يعترف بالتقصير ، ويعتذر عن عدم استطاعته أن يوفي والديه حقهما .
11 - تقديم حق الأم : فمما ينبغي مراعاته - أيضا - تقديم بر الأم والعطف عليها والإحسان لها على بر الأب والعطف عليه والإحسان إليه ، وذلك لما جاء في حديث
أبي هريرة - رضي الله عنه - قال :
جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله من أولى الناس بحسن صحابتي ؟ قال : أمك ، قال : ثم من ؟ قال : أمك ، قال : ثم من ؟ قال : أمك ، قال : ثم من ؟ قال : أبوك .
قال
ابن بطال - رحمه الله - عند شرحه لهذا الحديث : " مقتضاه أن يكون للأم ثلاثة أمثال ما للأب من البر ، قال : وذلك لصعوبة الحمل ، ثم الوضع ، ثم الرضاع ، فهذا تنفرد به الأم وتشقى به ، ثم تشارك الأب في التربية "
.
قد يقال : الأم تقدم وتفضل بالبر والإحسان والعطف ، والأب يقدم في الطاعة ؛ لأن الأب رب المنزل وقائد السفينة .
12 - مساعدتهما في الأعمال : فلا يليق بالولد أن يرى والديه يعملان وهو ينظر إليهما دون مساعدة لهما .
13 - البعد عن إزعاجهما : سواء إذا كانا نائمين ، أو إزعاجهما بالجلبة ورفع الصوت ، أو بالأخبار المحزنة أو غير ذلك من ألوان الإزعاج .
14 - تجنب الشجار وإثارة الجدل أمامهما : وذلك بالحرص على حل المشكلات مع الإخوة وأهل البيت عموما بعيدا عن أعينهما .
15 - تلبية ندائهما بسرعة : سواء كان الإنسان مشغولا أم غير مشغول ؛ فبعض الناس إذا ناداه أحد والديه وكان مشغولا تظاهر بأنه لم يسمع الصوت ، وإن كان فارغا أجابهما .
أصم عن الأمر الذي لا أريده
|
وأسـمع خلق الله حين أريد
|
|
فاللائق بالولد أن يجيب والديه حال سماعه النداء .
16 - تعويد الأولاد على البر : وذلك بأن يكون المرء قدوة لهما ، وأن يسعى قدر المستطاع لتوطيد العلاقة بين أولاده وبين والديه .
17 - إصلاح ذات البين إذا فسدت بين الوالدين : فمما يجدر بالأولاد أن يقوموا به أن يصلحوا ذات البين إذا فسدت بين الوالدين ، وأن يحرصوا على تقريب وجهات النظر بينهما إذا اختلفا .
18 - الاستئذان حال الدخول عليهما : فربما كانا أو أحدهما على حالة لا يرضى أن يراه أحد وهو عليها .
19 - تذكيرهما بالله دائما : وذلك بتعليمهما ما يجهلانه من أمور الدين ، وأمرهما بالمعروف ، ونهيهما عن المنكر إذا كان عليهما بعض مظاهر الفسق والمعصية ، مع مراعاة أن يكون ذلك بمنتهى اللطف والإشفاق والشفافية ، والصبر عليهما إذا لم يقبلا .
20 - الاستئذان منهما ، والاستنارة برأيهما : سواء في الذهاب مع الأصحاب للبرية ، أو في السفر خارج البلد للدراسة ونحوها ، أو الذهاب للجهاد ، أو الخروج من المنزل والسكنى خارجه ، فإن أذنا وإلا أقصر وترك ما يريد ، خصوصا إذا كان رأيهما له وجه ، أو كان صادرا عن علم وإدراك .
21 - المحافظة على سمعتهما : وذلك بمخالطة الأخيار ، والبعد عن الأشرار ، وبمجانبة أماكن الشبه ، ومواطن الريب .
22 - البعد عن لومهما وتقريعهما : وذلك إذا صدر منهما عمل لا يرضي الولد ، كتقصيرهما في التربية ، وكتذكيرهما بأمور لا يحبان سماعها ، مما قد بدر منهما فيما مضى .
23 - العمل على ما يسرهما وإن لم يأمرا به : من رعاية للإخوة ، أو صلة للأرحام ، أو إصلاحات في المنزل أو المزرعة ، أو مبادرة بالهدية ، أو نحو ذلك مما يسرهما ويدخل الفرح على قلبيهما .
24 - فهم طبيعتهما ومعاملتهما بمقتضى ذلك : فإذا كانا أو أحدهما غضوبا أو فظا غليظا ، أو كان متصفا بأي صفة لا ترتضى - كان جديرا بالولد أن يتفهم تلك الطبيعة في والديه ، وأن يعاملهما كما ينبغي .
25 - كثرة الدعاء والاستغفار لهما في حياتهما : قال الله - تعالى - :
وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا وقال - تعالى - :
رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ 26 - برهما بعد موتهما : فمما يدل على عظم حق الوالدين ، وسعة رحمة رب العالمين - أن كان بر الوالدين لا ينقطع حتى بعد الممات ؛ فقد يقصر أحد من الناس في حق والديه وهما أحياء ، فإذا ماتا عض يده ، وقرع سنه ؛ ندما على تفريطه وتضييعه لحق الوالدين ، وتمنى أن يرجعا للدنيا ؛ ليعمل معهما صالحا غير الذي عمل .
ومن هنا يستطيع المسلم أن يستدرك ما قد فات ، فيبر والديه وهما أموات ، وذلك بأمور منها :
أ - أن يكون الولد صالحا في نفسه .
ب - كثرة الدعاء والاستغفار لهما .
ج - صلة الرحم التي لا توصل إلا بهما .
د - إنفاذ عهدهما .
هـ - التصدق عنهما .
هذه بعض الأمور التي يجدر بنا سلوكها في معاملة الوالدين .